المتفاجئون على الطريق السريع
كي لا تتكرر الأزمة
م/ وائل عادل
3/1/2009
صراخ وبكاء وعويل يرج الفضاء... حالة من الوجوم غلفت وجوه سكان القرية. فقد قُتل مسعود ريحانة القرية، ذلك الطفل الذي لم يتجاوز العشر سنوات... لم تكن الجريمة الأولى، وبالتأكيد لن تكون الأخيرة، فطريق السفر السريع تجتاحه السيارات بسرعة لا توصف، والأطفال يضطرون إلى عبوره كي يصلوا إلى مدرستهم.
بنهاية العزاء اجتمع أهل القرية، يتزعمهم ذلك الشاب الذي يدرس في المدينة وكان قد عاد للتو من الجامعة. سألهم: متى كان آخر حادث على الطريق السريع؟ أجابوه: منذ أسبوع تقريباً؟ نهرهم وقد ضاق ذرعاً بهم: وماذا فعلتم من أسبوع حتى اليوم بعد أن بكيتم آخر مصاب ونصبتم له سرادق العزاء؟ منذ عقود وأنتم تشاهدون هذه المأساة تتكرر... فهل تتوقعون أن تتغير قوانين السير على الطريق من تلقاء نفسها؟! توقفتُ بعد هذا المشهد عن متابعة فيلم "المتفاجئون على الطريق السريع"...أغلقت التلفاز ثم شرعت في الكتابة. أحياناً تتعرض المجتمعات لأزمات مفاجئة، وتدفع تكلفة المفاجأة لعدم استعدادها، كأن تعجز عن إنقاذ طفل فرمته سيارة مسرعة، لا بأس في ذلك.. لكن ما يميز مجتمعاً عن آخر هو مدى جديته في التفكير بعد الأزمة في إضافة معطيات جديدة للطريق كي لا يتكرر الأمر بعد أسبوع. فإذا أردتَ اختبار جدية أي مجتمع في سعيه نحو التطور فانظر إلى ملامح وطبيعة الطريق السريع لديه قبل وبعد الأزمة. فالمجتمعات العابثة تصرخ "ما الحل؟" أثناء الأزمة "المكررة المفاجئة". ولا تبدأ التفكير في إنقاذ ضحاياها إلا حين تكون السيارة على بعد نصف متر منهم وقد سنت أسنانها توشك أن تبتلعهم. فهي مجتمعات تعتمد "الفهلوة" منهجاً.
تريد نجاحاً بلا مذاكرة، واغتصاب الجنة بلا عمل.
تدفع الطفل إلى الطريق، ثم تختبيء خلف جفنها مغمضة عينها، تخال أنها بذلك أطفأت النور كي لا يُرى الصغير، عبثاً تظن أن الطريق اختفى من الوجود لمجرد أنها أطبقت جفنيها. فالظلام لا يخيم إلا عليها، أما السيارات فلا تزال مفتوحة العينين تحملق في الطفل متوعدة. فجأة يندلع الصراخ... ويتباعد الجفنان من جديد ليدخل النور وتُبصَر الحقيقة.. الصغير يلفظ الروح.. والمعجزة لم تحدث...
فالطريق لم يبتلع السيارات!! إنها إذن خيانة الطريق!!
أما المجتمعات القوية فتتعلم من الأزمة، وتعتبرها تحدياً دافعاً لتطورها، فتتعامل معها ابتداء بحلول سريعة للحيلولة دون استفحال خطرها، محاوِلة إنقاذ الطفل بعد الحادث بكل ما أوتيت من جهد، لكنها تفكر بعد الأزمة في كيفية الحيلولة دون تكرارها، وتبدع وسائل التصدي لها إن حدثت. وشباب هذه المجتمعات لا يدمن الأفكار الكحولية التي سرعان ما تتبخر في الجو، بل يسعى بعد الأزمة لخلق بنى تحتية مناهِضة للأزمة ومتجذرة في المجتمع، بحيث تصبح جزءاً أساسياً من تكوينه لا عملاً طارئاً، ومصلاً فعالاً مستمراً لا دواء مُسَكِّناً مؤقتاً، كتثبيت أعمدة إنارة راسخة في بنية المجتمع تنير الطريق، أو صناعة مطبات كمحاولة لعقلنة السيارات المجنونة، أو تثبيت إشارات تشير إلى وجود المدرسة، أو بناء جسر يعبر عليه المشاة، أو تكوين فرق مستعدة للإسعاف على طول الطريق. وهناك مئات السبل الممكنة إن أقسم العقل أن الأزمة لن تتكرر من جديد.
وعندما تحاول الأزمة مهاجمة مثل هذا المجتمع مرة أخرى فإنها لا تلبث أن تتراجع، إذ تتوهم أنها ضلت الطريق، فمسرح الأحداث قد تغير تماماً، والطرق تبدلت، والمجتمع مستعد لمواجهة الأزمة بترسانة أسلحة من الأفكار والمشاريع والأمصال التي لا تخطر لها على بال. وضعت قلمي على سفح ورقتي... فقد نفد الحبر أو ربما ملَّ من كلامي، كان آخر سطر كتبته موجَّهاً إلى أولئك المتفاجئين جاحظي العيون، الذين يعلنون كل يوم المفاجأة المذهلة، فقد اكتشفوا أخيراً أنهم شرهون لتنفس الهواء، ويرتوون بعد تجرع الماء. لكنهم لا زالوا يتساءلون... لم لا يتغير الواقع؟ أخبرتهم أن اضطراب الواقع هو النتيجة الطبيعية لاضطراب أفعالهم.. ثم دعوتهم إلى طرح السؤال بصيغة أذكى.. ما الذي يدعو الواقع للتغير؟ عدت لمشاهدة الفيلم.. يبدو أنه أوشك على الانتهاء..
لكن ما هذا المنظر العجيب؟
السيارات تصطف بازدحام على الطريق السريع دون أية حركة تُذكر.. معقول؟؟ إشارة مرور ضوئية حمراء على طريق السفر السريع؟! لقد لَقَّن أهلُ القرية السياراتِ الأدب.
كي لا تتكرر الأزمة
م/ وائل عادل
3/1/2009
صراخ وبكاء وعويل يرج الفضاء... حالة من الوجوم غلفت وجوه سكان القرية. فقد قُتل مسعود ريحانة القرية، ذلك الطفل الذي لم يتجاوز العشر سنوات... لم تكن الجريمة الأولى، وبالتأكيد لن تكون الأخيرة، فطريق السفر السريع تجتاحه السيارات بسرعة لا توصف، والأطفال يضطرون إلى عبوره كي يصلوا إلى مدرستهم.
بنهاية العزاء اجتمع أهل القرية، يتزعمهم ذلك الشاب الذي يدرس في المدينة وكان قد عاد للتو من الجامعة. سألهم: متى كان آخر حادث على الطريق السريع؟ أجابوه: منذ أسبوع تقريباً؟ نهرهم وقد ضاق ذرعاً بهم: وماذا فعلتم من أسبوع حتى اليوم بعد أن بكيتم آخر مصاب ونصبتم له سرادق العزاء؟ منذ عقود وأنتم تشاهدون هذه المأساة تتكرر... فهل تتوقعون أن تتغير قوانين السير على الطريق من تلقاء نفسها؟! توقفتُ بعد هذا المشهد عن متابعة فيلم "المتفاجئون على الطريق السريع"...أغلقت التلفاز ثم شرعت في الكتابة. أحياناً تتعرض المجتمعات لأزمات مفاجئة، وتدفع تكلفة المفاجأة لعدم استعدادها، كأن تعجز عن إنقاذ طفل فرمته سيارة مسرعة، لا بأس في ذلك.. لكن ما يميز مجتمعاً عن آخر هو مدى جديته في التفكير بعد الأزمة في إضافة معطيات جديدة للطريق كي لا يتكرر الأمر بعد أسبوع. فإذا أردتَ اختبار جدية أي مجتمع في سعيه نحو التطور فانظر إلى ملامح وطبيعة الطريق السريع لديه قبل وبعد الأزمة. فالمجتمعات العابثة تصرخ "ما الحل؟" أثناء الأزمة "المكررة المفاجئة". ولا تبدأ التفكير في إنقاذ ضحاياها إلا حين تكون السيارة على بعد نصف متر منهم وقد سنت أسنانها توشك أن تبتلعهم. فهي مجتمعات تعتمد "الفهلوة" منهجاً.
تريد نجاحاً بلا مذاكرة، واغتصاب الجنة بلا عمل.
تدفع الطفل إلى الطريق، ثم تختبيء خلف جفنها مغمضة عينها، تخال أنها بذلك أطفأت النور كي لا يُرى الصغير، عبثاً تظن أن الطريق اختفى من الوجود لمجرد أنها أطبقت جفنيها. فالظلام لا يخيم إلا عليها، أما السيارات فلا تزال مفتوحة العينين تحملق في الطفل متوعدة. فجأة يندلع الصراخ... ويتباعد الجفنان من جديد ليدخل النور وتُبصَر الحقيقة.. الصغير يلفظ الروح.. والمعجزة لم تحدث...
فالطريق لم يبتلع السيارات!! إنها إذن خيانة الطريق!!
أما المجتمعات القوية فتتعلم من الأزمة، وتعتبرها تحدياً دافعاً لتطورها، فتتعامل معها ابتداء بحلول سريعة للحيلولة دون استفحال خطرها، محاوِلة إنقاذ الطفل بعد الحادث بكل ما أوتيت من جهد، لكنها تفكر بعد الأزمة في كيفية الحيلولة دون تكرارها، وتبدع وسائل التصدي لها إن حدثت. وشباب هذه المجتمعات لا يدمن الأفكار الكحولية التي سرعان ما تتبخر في الجو، بل يسعى بعد الأزمة لخلق بنى تحتية مناهِضة للأزمة ومتجذرة في المجتمع، بحيث تصبح جزءاً أساسياً من تكوينه لا عملاً طارئاً، ومصلاً فعالاً مستمراً لا دواء مُسَكِّناً مؤقتاً، كتثبيت أعمدة إنارة راسخة في بنية المجتمع تنير الطريق، أو صناعة مطبات كمحاولة لعقلنة السيارات المجنونة، أو تثبيت إشارات تشير إلى وجود المدرسة، أو بناء جسر يعبر عليه المشاة، أو تكوين فرق مستعدة للإسعاف على طول الطريق. وهناك مئات السبل الممكنة إن أقسم العقل أن الأزمة لن تتكرر من جديد.
وعندما تحاول الأزمة مهاجمة مثل هذا المجتمع مرة أخرى فإنها لا تلبث أن تتراجع، إذ تتوهم أنها ضلت الطريق، فمسرح الأحداث قد تغير تماماً، والطرق تبدلت، والمجتمع مستعد لمواجهة الأزمة بترسانة أسلحة من الأفكار والمشاريع والأمصال التي لا تخطر لها على بال. وضعت قلمي على سفح ورقتي... فقد نفد الحبر أو ربما ملَّ من كلامي، كان آخر سطر كتبته موجَّهاً إلى أولئك المتفاجئين جاحظي العيون، الذين يعلنون كل يوم المفاجأة المذهلة، فقد اكتشفوا أخيراً أنهم شرهون لتنفس الهواء، ويرتوون بعد تجرع الماء. لكنهم لا زالوا يتساءلون... لم لا يتغير الواقع؟ أخبرتهم أن اضطراب الواقع هو النتيجة الطبيعية لاضطراب أفعالهم.. ثم دعوتهم إلى طرح السؤال بصيغة أذكى.. ما الذي يدعو الواقع للتغير؟ عدت لمشاهدة الفيلم.. يبدو أنه أوشك على الانتهاء..
لكن ما هذا المنظر العجيب؟
السيارات تصطف بازدحام على الطريق السريع دون أية حركة تُذكر.. معقول؟؟ إشارة مرور ضوئية حمراء على طريق السفر السريع؟! لقد لَقَّن أهلُ القرية السياراتِ الأدب.
الأربعاء يونيو 17, 2009 12:06 am من طرف سيد الكلمات
» الموسوعة الشاملة لفضيلة العلامة الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله
الجمعة يونيو 05, 2009 3:33 pm من طرف سيد الكلمات
» حمل الأن برنامج الأذان لأوقات الصلاة لأكثر من 6 ملايين مدينة في العالم
الجمعة يونيو 05, 2009 3:24 pm من طرف سيد الكلمات
» رواية عالم صوفي
الجمعة يونيو 05, 2009 3:21 pm من طرف سيد الكلمات
» ::: في وصف الهاتك حسني مبارك :::
الأحد مايو 24, 2009 11:41 pm من طرف سيد الكلمات
» سجل دخولك بالصلاة على الرسول
الأحد مايو 24, 2009 11:19 pm من طرف سيد الكلمات
» السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الأحد مايو 24, 2009 11:12 pm من طرف سيد الكلمات
» المجد السوري يرسم البسمة على وجوه السورين والكرامة يتعرض لهزيمة أليمة
الأحد مايو 24, 2009 10:56 pm من طرف سيد الكلمات
» عمرو الخالد و نادي الكرامة
الأحد مايو 24, 2009 10:49 pm من طرف سيد الكلمات
» ما حدا أحسن من حدا
الجمعة مايو 22, 2009 10:06 pm من طرف falcon
» اهلاً بكم في منتديات بلاد الشام الإسلامية
الجمعة مايو 22, 2009 9:28 pm من طرف سيد الكلمات
» بنوتة حمصية معكن ممكن ترحيب
الجمعة مايو 22, 2009 9:19 pm من طرف سيد الكلمات